رصاص وجثث ونزوح.. «المتمرد العائد» يفاقم أوجاع الشرق الكونغولي

دوي الرصاص المستمر والجثث المتناثرة بالشوارع تعيد عددا من قرى إيتوري الكونغولية إلى زمن مرير اختبرت خلاله محنة المواجهة مع المتمردين.
فهناك في مناطق لوبا ومحيطها، على بعد نحو 40 كيلومترا شمال مدينة بونيا عاصمة مقاطعة إيتوري شرقي الكونغو الديمقراطية، تعود عقارب الساعة إلى زمن النزاع الكبير بين الجماعات العرقية خلال الفترة الفاصلة بين عامي 1999 و2003.
ونقلت «إذاعة فرنسا الدولية» (آر أي آي)، عن مصادر محلية قولها إن إطلاق نار كثيف لا يزال مستمرا منذ الأربعاء الماضي في لوبا ومحيطها بين الجيش ومسلحين تابعين لتشكيل مسلح يسمى جماعة «الاتفاق من أجل الثورة الشعبية» بقيادة توماس لوبانغا.
وبحسب المصادر نفسها، تخللت الاشتباكات عمليات نهب واسعة ونزوح جماعي للسكان ممن يواصل قسم كبير منهم، ومعظمهم من عرقية «الهيما»، الفرار إلى بونيا، عاصمة الإقليم.
وفي غضون ذلك، استمر دوي إطلاق النار حتى الساعة العاشرة من مساء الخميس، قبل أن يتجدد بشكل متقطع في وقت لاحق.
وفي لوبا، أعلن الجيش الكونغولي أنه رد على هجوم شنته الجماعة المسلحة التي يقودها لوبانغا، وهو أول شخص تُدينه المحكمة الجنائية الدولية عام ٢٠١٢، وتتخذ من أوغندا مقرا لها.
وتعتبر القوات المسلحة الكونغولية هذه الجماعة الأكثر عدائية لعملية السلام.
وضع معقد
وفق المصادر، فإنه بحلول صباح اليوم التالي، أي الخميس، اختفى أي أثر لعناصر المليشيات، قبل أن تعاود الظهور بشكل مباغت، فيما لم يعلن الجيش عن عدد القتلى كما ينفي الاتهامات بإطلاق النار على المدنيين أو النهب.
وإجمالا، لا يزال الوضع على الأرض مُعقدا، ويتحدث الجيش عن حرب غير متكافئة، وقال إن توماس لوبانغا جنّد عناصر سابقين في مليشيات «اتحاد الوطنيين الكونغوليين» وأعضاء في مجموعات دفاع ذاتي مُصغّرة من شبكاته السابقة.
ونتيجة لذلك، سيطرت الجماعة بسرعة على مواقع مُعيّنة قرب بونيا، مثل إيغا باريير قبل حوالي عشرة أيام، قبل أن يطردها الجيش.
وبحسب الجيش، يُصعّب هذا التشكيل أحيانا التمييز بين المدنيين والمسلحين، ويتجلى هذا في أن المجتمع المحلي لا يزال يُحجم عن التنديد بما ترتكبه عناصر المليشيات من أبنائه، ويتهم القوات المسلحة بالانحياز إلى «الهيما» بمواجهة العداء التاريخي مع عرقية «ليندو».
ومن مصادر التوتر الأخرى نشاط مليشيات تُسمى «تعاونية تنمية الكونغو» وتعرف اختصارا بـ«كوديكو»، وفي هذه المنطقة، تتكرر الاشتباكات بين هذه الجماعة المسلحة التي تتألف في معظمها من عناصر من عرقية ليندو.
وقبل ثلاثة أيام، قُتل مزارع من الهيما على يد «كوديكو»، ما أشعل فتيل مواجهات عرقية أسفرت عن قتلى وتخللتها عمليات نهب، بحسب الجيش.
ومنذ يوليو/تموز الماضي، تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية، عقب فشل حواري “أرو 1” و”أرو 2″، ويتزامن ذلك مع وصول العميد برونو مانديفو، القائد الجديد لقطاع العمليات بالجيش في إيتوري.
وجولتا الحوار جمعت، في 2023 و2025، الجماعات المسلحة التي وقعت على وثيقة الالتزام بالسلام والتماسك الاجتماعي في إيتوري، وجرت في إقليم أرو على بعد حوالي 260 كيلومترا من بونيا.
والأسبوع الماضي، أكد الجنرال مانديفو أن أي مليشيات ترفض إلقاء سلاحها ستُطارد دون تمييز.
«المتمرد العائد»
في أبريل/نيسان الماضي، أعلن توماس لوبانغا عن تأسيس حركة مسلحة جديدة تحت اسم «الجبهة الشعبية»، وكانت تنشط في إقليم إيتوري بالشرق الكونغولي المثقل بصراع إثني وطائفي لا يزال محتدما منذ سنوات.
ولاحقا، عدل لوبانغا، وهو أول شخص أدانته المحكمة الجنائية الدولية عام 2012 بتهم تجنيد الأطفال للقتال في صفوف مليشياته، اسم الجماعة لتصبح «الاتفاق من أجل الثورة الشعبية».
وفي مقطع مصور نشره حينها، قال لوبانغا إن جماعته تعنى بـ«الدفاع عن حقوق شعب إيتوري الذي يعاني التهميش، وحماية المجتمعات المحلية من الإهمال والعنف المنظّم».
ولوبانغا أدانته المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تجنيد الأطفال ضمن مسلحيه، وحُكم عليه بالسجن 14 عاما قبل الإفراج عنه عام 2020 بعد انقضاء فترة حكمه، ليعود إلى الساحة عبر تأسيس «الاتفاق من أجل الثورة الشعبية».
وأثارت عودة لوبانغا استياء واسعا في الأوساط الحقوقية والدولية، حيث يعتبر كثيرون أن الإفراج المبكر عنه دون آليات واضحة لإعادة تأهيله أو مراقبته، يشكل خطرا على استقرار الشرق الكونغولي المضطرب.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز