فرنسا ليست على أعتاب أزمة وشيكة بسبب الديون

تشهد فرنسا نقاشًا محتدمًا حول مستقبل ديونها العمومية، بعد أن بلغت مستوى تاريخياً عند 3.346 تريليون يورو (3.9 تريليون دولار) في الربع الأول من عام 2025، أي ما يعادل نحو 114% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبينما يكرر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو تحذيراته من خطر “الإفراط في الاستدانة”، رأى الخبير الاقتصادي الفرنسي فرنسوا فيلروي دو جالو المدير السابق للبنك المركزي الفرنسي أن الحديث عن أزمة وشيكة يبقى مبالغًا فيه، مستنداً إلى عوامل اقتصادية مقارنة وتجارب دول أخرى.
في الوقت نفسه، حذر دو جالو في تصريحات لـ”العين الإخبارية” من خطورة تجاهل التأخر في التصدي لمستوى الدين العام المرتفع، كما حذر من التأجيل سيؤدي إلى تبني إجراءات أكثر ألمًا في المستقبل، إذ إن تراكم الديون وتفاقم العجز قد يضغط على الاقتصاد الوطني ويحد من قدرة الدولة على الابتكار والاستثمار”.
وأوضح أنه “في ظل سياسة مالية غير واضحة ومناخ سياسي مضطرب، فإن هناك ضرورة توازن عادل في الجهد المطلوب تقاسمه بين مختلف شرائح المجتمع، حفاظًا على السلامة المالية والأمن الاقتصادي للبلاد”.
دين عام يتضخم منذ عقود
وعلى مدى عقود، تراكمت الديون الفرنسية بفعل العجز المستمر والأزمات المتتالية: المالية، الصحية، ثم التضخمية. ففي منتصف التسعينيات، كانت الديون تمثل 57.8% فقط من الناتج المحلي، أما اليوم فقد تضاعفت بفعل الأزمات المتكررة. ورغم ذلك، يذكر معهد “أفان جارد” بأن الدين الفرنسي لا يزال بعيدًا عن المستويات القياسية التي شهدتها فترة ما بين الحربين، حين وصلت إلى 300% من الناتج المحلي.
هذا التحذير يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق رد فعل سلبي عقب إعلان الحكومة عن تصويت الثقة، مما انعكس باعتداء في أسواق السندات والأسهم وتصاعد تكلفة الاقتراض.
كما رأى الخبير الاقتصادي الفرنسي أن الوضع الحالي ليس استثنائيًا، لافتًا إلى أن “العديد من الدول تجاوزت بكثير مستوى 114% من الناتج المحلي دون الدخول في أزمة”.
ثقل الفوائد تحت مجهر الحكومة
وأشار دو جالو إلى أن ارتفاع الدين يعني بالضرورة زيادة الفوائد المستحقة للدائنين، وتقدر الحكومة الفرنسية أن عبء خدمة الدين سيصل إلى 53 مليار يورو (62.1 مليار دولار) في 2025، على أن يقفز إلى 66 مليار يورو (77.3 مليار دولار) في 2026، ليتصدر بذلك أبواب الإنفاق العام متجاوزًا حتى التعليم الوطني.
وحذر دولا جالو من أن النتيجة المباشرة هي أن الدولة لن تستطيع تمويل باقي السياسات العامة، وأن الفعل العمومي سيخنق.
ولفت إلى أنه “في 2024، لم تمثل خدمة الدين سوى 2% من الناتج المحلي، أي أقل بكثير من مستويات التسعينيات، وهي نسبة مماثلة لمتوسط منطقة اليورو”.
وأضاف دو جالو أن التضخم يعد عاملًا حاسمًا في امتصاص جزء من هذا العبء، إذ إن ارتفاع الأسعار يزيد تلقائيًا من العائدات الضريبية ويعزز الناتج المحلي، ما يمنح الدولة هامش تحرك إضافي.
ثقة الأسواق والسندات الفرنسية
رغم الأجواء السياسية المشحونة، تظل الديون الفرنسية موضع ثقة لدى المستثمرين. فقد أصدرت فرنسا مؤخرًا سندات بقيمة 11 مليار يورو (12.9 مليار دولار)، لاقت طلبًا مرتفعًا رغم صعود معدلات الفائدة إلى 3.6%، وهو أعلى مستوى منذ مارس/آذار 2025.
وأشار دوجالو إلى أن الخطاب المبالغ في التشاؤم قد يزيد شكوك المستثمرين ويدفعهم للمطالبة بفوائد أعلى لإقراض الدولة الفرنسية، ما قد يفاقم الضغوط، كما أن الدين العام يظل أيضًا أداة بيد المستثمرين الماليين للتأثير على السياسات الاقتصادية للدولة”.
ورغم الحجم الضخم للدين العام الفرنسي، فإن الخبير الاقتصادي الفرنسي يرى أن البلاد ليست على أعتاب أزمة وشيكة، بفضل قوة الطلب على سنداتها، ودور التضخم، والدعم المحتمل للبنك المركزي الأوروبي، لكن استمرار الجدل السياسي قد يكون له أثر نفسي أكبر من الأرقام نفسها، خاصة إذا غذّى المخاوف في الأسواق.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==
جزيرة ام اند امز