بين مأزق بايرو وخيارات ماكرون.. هل تنجو فرنسا بحلّ البرلمان؟

أزمة سياسية خانقة تعيش فرنسا على وقعها منذ أسابيع وقد تدرك ذروتها الشهر المقبل مع احتمال سقوط حكومة فرانسوا بايرو عقب تصويت برلماني.
وباتت فرنسا أمام مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، غداة تحذير رئيس الوزراء فرنسوا بايرو من خطر المديونية المفرطة، وطلبه تصويتا على الثقة من الجمعية الوطنية، قد يطيح بحكومته الشهر المقبل.
وفاجأ بايرو الذي يواجه صعوبات، البلاد الاثنين بإعلانه أنه طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون عقد جلسة استثنائية للبرلمان في 8 سبتمبر/ أيلول المقبل.
ويحتاج بايرو إلى دعم برلماني لفرض إجراءات تقشف من شأنها خفض الدين العام، لكن أحزاب المعارضة الرئيسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أعلنت رفضها خطة رئيس الوزراء.
وجاء الإعلان في وقت تصاعدت الدعوات لإضراب عام في 10 سبتمبر/ أيلول القادم احتجاجا على مقترح بايرو إجراء اقتطاعات في الميزانية.
حل البرلمان؟
احتمال حجب الثقة عن الحكومة بالجلسة المرتقبة يفتح الباب على مصراعيه أمام جدل دستوري وسياسي حول الخيار الأكثر حساسية في ترسانة الرئيس إيمانويل ماكرون: حل الجمعية الوطنية.
وإذا كان الرئيس الفرنسي قد استبعد مؤخرًا هذا المسار علنًا، فإن الغموض الذي يكتنف موقفه، إضافة إلى الضغوط الداخلية والخارجية، يعيد النقاش حول حدود النظام البرلماني الفرنسي وإمكانية تجديد المواجهة الانتخابية في ظرفية اقتصادية واجتماعية هشة.
وسبق أن قال ماكرون إنه لا يفكر في حل جديد للجمعية الوطنية، الغرفة السفلى لبرلمان فرنسا، رغم أن الدستور يتيح له ذلك وقد استخدم هذا السلاح عقب الانتخابات الأوروبية.
لكن سقوطا محتملا لحكومة فرانسوا بايرو في تصويت الثقة الشهر المقبل قد يغيّر المعادلة، فالاحتمال مطروح مجددًا: ماذا لو قرر ماكرون اللجوء إلى حل جديد، بعد أن باغت البلاد سابقًا بقراره مساء الانتخابات الأوروبية؟.
السؤال برز بقوة يوم أمس الثلاثاء عقب مؤتمر صحفي عقده بايرو حول الميزانية والدين العام، حين أعلن أنه سيلجأ إلى تصويت ثقة، فاتحًا بذلك الباب أمام احتمال رحيله وتفاقم الاضطراب المؤسساتي لحكومة تعاني أصلًا من هشاشة شديدة.
غير أن مختلف التيارات المعارضة، والتي لا يملك بايرو بغيرها أي فرصة للبقاء، أعلنت مسبقًا أنها ستصوت ضده، ما يجعل سقوطه شبه مؤكد.
لكن الانتقال من ذلك إلى حل البرلمان – وهو مطلب أقصى اليمين – لا يزال خطوة غير محسومة حتى اللحظة.
صلاحية دستورية
في مقابلة مع مجلة “باري ماتش” الأسبوع الماضي، أكد ماكرون أنه لا ينوي حل البرلمان، إلا أن محيطه أوضح لاحقًا: “الرئيس لن يحرم نفسه من صلاحية دستورية إذا اقتضى الأمر”.
وحتى بايرو نفسه لم يستبعد هذا الخيار، قائلاً لمسؤولي أحزاب الغالبية: “الرئيس لا يرغب في ذلك، لكن الحل يظل فرضية قائمة”.
من جانبه، شدد وزير الداخلية برونو ريتايو (الذي دعا إلى نفس الخطوة في عام 2024) على أن “الحل مكلف سياسيًا واقتصاديًا، لكنه يظل احتمالًا واردًا”.
من الناحية السياسية، لا يبدو أن ماكرون سيجني مكاسب من انتخابات مبكرة، إذ تشير المؤشرات إلى أن النتيجة قد لا تخرج عن إعادة إنتاج المشهد الحالي، وربما تميل أكثر لترسيخه لمصلحة أقصى اليمين.
فاستطلاع أجراه معهد “إيلاب” في يونيو/ حزيران الماضي، أظهر أن حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) وحليفه إيريك سيوتي، سيحصلان على 32,5% من الأصوات، مقابل 21% لليسار إذا توحد، و15,5% فقط للمعسكر الرئاسي، في حين لن يتجاوز الجمهوريون (يمين) 10%.
وفي انتخابات 2024، حقق أقصى اليمين نتيجة مشابهة لكنها فشلت في الحصول على الأغلبية بسبب “الجبهة الجمهورية” التي توحدت ضدها.
«معضلة سياسية»
يرى أستاذ القانون الدستوري الفرنسي ديدييه موس أنه “من الناحية الدستورية، تمتلك فرنسا إطارًا واضحًا ينظم مسألة حل الجمعية الوطنية (البرلمان) بموجب المادة 12 من الدستور الفرنسي لعام 1958، وهذه المادة تمنح رئيس الجمهورية سلطة الحل”.
ويقول موس، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن “عملية الحل لا بد أن تكون بشروط وإجراءات محددة، أهمها: الفترة الزمنية بين عمليتي الحل، إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يحل الجمعية الوطنية مرتين خلال أقل من عام واحد”.
وأوضح أن “هذا يعني أنه إذا لجأ رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فإنه لا يستطيع تكرار ذلك قبل مرور سنة كاملة على الانتخابات السابقة”.
ولفت إلى أن المسار الإجرائي، قبل اتخاذ قرار الحل، يقضي بأنه على رئيس الجمهورية استشارة رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ)، ورغم أن هذه الاستشارة إلزامية، فإنها غير مقيّدة للرئيس، أي أنه غير مضطر للأخذ برأيهم”.
وبحسب الخبير، فإن “المعضلة ليست قانونية بل سياسية، لأن فرنسا قد تجد نفسها في حالة شلل مزدوج: حكومة مستقيلة، وبرلمان محلول، واقتصاد يتباطأ. وماكرون يدرك أن أي حل لن يعيد له تلقائيًا زمام المبادرة، خصوصًا في ظل صعود أقصى اليمين وضعف معسكره الرئاسي”.
واعتبر أنه “إذا سقط بايرو، فهذا سبب كافٍ لتبرير حل البرلمان، وفق منطق النظام البرلماني. لكن القرار في النهاية يظل بيد الرئيس وحده، وليس هناك ما يلزمه دستوريًا”.
وشدد موس على أن “المخاطرة الأكبر هي فقدان السيطرة على المسار الديمقراطي، فإذا جاءت انتخابات مبكرة بنتيجة مشابهة أو أسوأ، ستتعمق الأزمة بدل أن تحل”.
«توازن دقيق»
من جانبها، تقول الخبيرة القانونية الفرنسية آن-شارلين بيزينا، لـ”العين الإخبارية”، إن “ماكرون يلعب اليوم لعبة توازن دقيقة”.
وتوضح أن الرئيس الفرنسي “لا يريد من جهة أن يبدو عاجزًا عن استخدام صلاحياته الدستورية، ومن جهة أخرى يدرك أن اللجوء إلى حل البرلمان في سياق أزمة مالية واجتماعية لن يُنظر إليه كخطوة إصلاحية بل كمغامرة سياسية”.
وأضافت: “النظام الفرنسي يعاني من فجوة متزايدة بين منطق باريس المؤسساتي ومنطق الشارع الفرنسي، حيث يزداد الغضب الاجتماعي، وينظر إلى أي انتخابات جديدة كإعادة تدوير لنفس النخب السياسية”.
ورأت أنه “من هنا، قد يصبح قرار الحل بمثابة صب الزيت على النار، بدل إطفائها”، محذرة من شلل في البلاد حال إعادة حل البرلمان”.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز