تقنية

معركة المنتجعات الفرنسية من أجل البقاء.. أساطير الستينيات تواجه شبح الاندثار


في ستينيات القرن الماضي، وُلدت على شواطئ أوكسيتاني الفرنسية مجموعة من المنتجعات السياحية الضخمة بفضل خطة راسين التي أطلقها جورج بومبيدو سنة 1963، لتشكل آنذاك حلم السياحة البحرية الحديثة ومنافسًا مباشرًا للمنتجعات الإسبانية.

غير أن هذه المحطات، التي مثلت يومًا قاطرة السياحة الصيفية في فرنسا، تواجه اليوم تحديات كبرى بين تراجع الجاذبية، تشبع العروض السياحية، والحاجة إلى إعادة ابتكار نفسها لتواكب تطلعات القرن الحادي والعشرين.

بداية الانحدار

في أوجها، كانت هذه المنتجعات ـ مثل جرويسان، لا غران موت، بالافاس، كاب داغد وغيرها ـ تستقطب ما يقارب 15% من مجمل الإقامات السياحية الصيفية، لكن منذ مطلع الألفية، بدأ منحنى التراجع، بخسارة نسبية تقارب 1% سنويًا، حتى تراجعت حصتها اليوم إلى أقل من 10% ، بحسب محطة “20 مينيت” الفرنسية.

ورغم أن ساحل أوكسيتاني يضم 1.7 مليون سرير سياحي، أي 28% من القدرة الاستيعابية الوطنية، إلا أنه لا يمثل سوى 23% من الليالي المقضية و19% فقط من الإنفاق السياحي.

تحديات متزايدة

من جانبه، قال ديدييه أرينو من مكتب Protourisme، إن السبب لا يكمن فقط في المنافسة أو تشبع السوق، بل أيضًا في صورة هذه المنتجعات لدى السياح: “إسمنتية أكثر من اللازم”، مبانٍ كثيفة تفتقر إلى الطابع الجمالي، وازدحام خانق يجعل التجربة السياحية أقرب إلى مشاكل المدن، وصعوبة التنقل ومشاكل المواقف، كما أن هناك مقارنة غير عادلة مع ساحل الكوت دازور الذي يحتكر الصورة الإيجابية للبحر المتوسط.

ومن بين التحديات أيضاً فإن هذه المنتجعات لم تستطع إبراز ثروات محيطها الداخلي (كاركاسون، سيت…) ما جعلها محدودة الجاذبية.

أزمة السكن السياحي التقليدي

الإقامات الصغيرة من نوع “ستوديو كابينة”، التي كانت حلم امتلاك شقة صيفية في الستينات، لم تعد تثير رغبة السياح. هذا التراجع بدا واضحًا في سوق الإيجارات المفروشة. بالمقابل، عوّضت المخيمات والقرى السياحية هذا التراجع، بتحقيق نسب إشغال تصل إلى 90%.

استثناء “لا غران موت”

رغم الأزمة، تبرز لا غران موت كاستثناء ناجح، إذ شهدت زيادة طفيفة (+0.5%) في ليالي يوليو/تموز. على عكسها، سجلت بالافاس تراجعًا بـ-8,8% بين 2022 و2023، فيما عرفت غرويسان انخفاضًا أكبر بـ-12% بين 2021 و2022.

نجاح “لا غران موت” يعود إلى: الارتقاء بالخدمات (فنادق، مراكز علاج بحري، مؤتمرات أعمال)، وتجديد عروض المخيمات والقرى السياحية، والجرأة المعمارية التي صممها جان بالادور، والتي ميزتها عن غيرها حتى في ظل الجدل.

مستقبل على المحك

وأشارت الإذاعة الفرنسية أن هذه المنتجعات، التي تواجه شيخوخة بناها وسكانها، مطالبة بتجديد نفسها بشكل جذري:الاستثمار في الرياضات البحرية الجديدة (كايت سيرف، وينغ فويل)، وتطوير وسائل نقل بديلة (قطارات صغيرة أو مسارات خضراء للدراجات)، وكذلك الانفتاح على أنشطة ممتدة على مدار العام بدل الاكتفاء بالصيف.

وكما يقول أرينو: “الخرسانة المسلحة لا تدوم أكثر من 150 عامًا، وما لم تُجدّد هذه المحطات نفسها وفق معايير السياحة المعاصرة، فلن يبقى منها شيء في النهاية.”

ووفقاً للإذاعة الفرنسية فإن المنتجعات التي صنعت أمجاد السياحة الفرنسية في الستينيات تجد نفسها اليوم أمام معادلة صعبة: إما أن تتجدد وتعيد اكتشاف هويتها السياحية، أو تواجه خطر الاندثار أمام منافسة عالمية شرسة وصورة محلية متراجعة.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى