تقنية

«شبه الجزيرة الماسية».. «القرم» عقدة الحرب والسلام بين روسيا وأوكرانيا


شبه جزيرة القرم ليست مجرد أرض متنازع عليها؛ بل هي بؤرة توتر جيوسياسي بين روسيا وأوكرانيا منذ سنوات، وباتت هي الأزمة التي تُحدد معادلة الحرب والسلام.

ورغم مرور عقد على سيطرة روسيا عليها، تظل هذه البقعة الماسية الشكل على البحر الأسود جوهر الصراع ومحركه الاستراتيجي، بحسب وكالة الأسوشيتدبرس.

تكمن الأهمية الاستراتيجية الفائقة لشبه جزيرة القرم في موقعها الجغرافي الفريد الذي جعلها قلبا نابضا للبحر الأسود عبر التاريخ، إذ تمثل “بوابة بحرية” حيوية على الممرات الملاحية الرئيسية، وتتحكم في طرق التجارة العالمية الحساسة، خاصة تلك الخاصة بنقل الحبوب والطاقة التي تُشكل شريان حياة للاقتصادات العالمية.

يضاف إلى ذلك قيمة القرم العسكرية الاستثنائية، حيث يُشكل ميناء سيفاستوبول التاريخي – مقر أسطول البحر الأسود الروسي – قاعدة بحرية استراتيجية تمنح موسكو نفوذا عسكريا ممتدا نحو البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط.

هذا التراث الجغرافي العسكري تعززه خلفية تاريخية وإدارية معقدة، بدءا من ضم الإمبراطورية الروسية لها في القرن الثامن عشر، مرورا بنقلها الإداري المفاجئ إلى أوكرانيا السوفياتية عام 1954، مما جعلها ساحة صراع دائمة على النفوذ.

اندلعت أزمة القرم الحديثة في مارس/آذار 2014، عندما استغلت موسكو الفوضى السياسية في كييف عقب الإطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، حيث نفذت قوات روسية “بلا شارات” عملية عسكرية مدروسة سيطرت خلالها على مفاصل شبه الجزيرة.

تلا ذلك تنظيم استفتاء سريع ومثير للجدل حول الانضمام لروسيا، رفضته كييف والمجتمع الدولي جملة وتفصيلاً واعتبروه غير شرعي.

وأشعل هذا الضم موجة وطنية عارمة داخل روسيا، رفعت شعبية الرئيس بوتين إلى 86 بالمائة بحلول يونيو/حزيران 2014، ورسخت مكانة القرم كـ”أرض مقدسة” في الخطاب القومي الروسي.

لم تقتصر تداعيات ضم القرم على حدود شبه الجزيرة، بل امتدت كالشرارة التي أشعلت الصراع في شرق أوكرانيا (دونباس)، حيث اندلعت مواجهات مسلحة بين ميليشيات مدعومة من موسكو والقوات الأوكرانية.

وواجهت روسيا عقوبات غربية قاسية وعزلة سياسية هي الأقسى منذ الحرب الباردة، بينما اعتبر متشددون روس أن الفرصة الذهبية للسيطرة على أوكرانيا بأكملها قد ضاعت عام 2014، مما مهد الطريق لعقود من التوتر انفجرت بالعملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط 2022.

سفينة إنزال عسكرية روسية في القرم وفي الخلفية جسر كيرتش

ومع اندلاع الحرب الشاملة، تحولت القرم من هدف إلى ساحة مواجهة محورية.. فمن ناحية، أصبحت منصة انطلاق رئيسية للقوات الروسية التي اندفعت منها نحو جنوب أوكرانيا، كما كان تأمين “الممر البري” الرابط بين روسيا والقرم عبر السيطرة على مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون هدفا مركزيا للعملية العسكرية التي نفذتها موسكو.

ومن ناحية أخرى، ردا على العملية العسكرية، تبنت كييف استراتيجية هجومية غير مسبوقة ضد القرم نفسها، مستهدفة البنى التحتية الحيوية، من ضربات متكررة استهدفت جسر كيرتش الاستراتيجي، إلى هجمات مباشرة على أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول، ومستودعات الذخيرة، والقواعد الجوية، مما حول المنطقة إلى جبهة مفتوحة.

واليوم، تحولت القرم إلى حجر عثرة هي الأكبر في طريق أي تسوية سلمية.. وتضع موسكو شروطا صارمة لا تنازل عنها تتمثل في اعتراف أوكرانيا بضم القرم كجزء من روسيا، إلى جانب التنازل عن أربع مناطق أخرى تم ضمها عام 2022، والتخلي عن السعي للانضمام لحلف الناتو، والتزام الحياد العسكري.

وفي المقابل، ترفض كييف هذه المطالب جملة وتفصيلا، مؤكدة أن السيادة على أراضيها – بما فيها القرم – “ليست قابلة للتفاوض”، وترى فيها أرضا مسروقة.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى