تقنية

تحولات ترامب تجاه أوكرانيا.. بين خطاب متغير وحسابات استراتيجية


تبدلات السياسة ليست بالأمر النادر، لكن أن تحدث بهذه السرعة، فذلك يجعل موقف ترامب من الحرب في أوكرانيا موضع تأمل واهتمام.

ففي غضون ستة أشهر تقريبا، انتقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من القول بإمكانية حل الحرب في أوكرانيا “في يوم واحد” إلى التعبير عن “خيبة أمله” علنا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين لـ”قوله شيئا وفعله شيئا آخر”.

كما انتقل ترامب من ترديد تصريحات بوتين حول الحرب إلى التهديد بفرض عقوبات أشد، ليس فقط على روسيا، بل أيضا على الدول التي تتعامل معها تجاريا.

هكذا ترى مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تحليل طالعته “العين الإخبارية”، معتبرة أن الدبلوماسية لم تُحرز سوى تقدم ضئيل حتى الآن.

وأشارت إلى أنه رغم هذه التغيرات في الخطاب، لم تحقق الدبلوماسية أي تقدم يُذكر، فقد انتهت الجولة الثالثة من المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول سريعا دون نتيجة.

كيف سيؤثر خطاب ترامب على مسار الحرب؟

في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول ما إذا كانت مواقف ترامب الجديدة ستمتد إلى أفعال ملموسة، وإن كانت ستؤثر في مسار الحرب.

مايكل ماكفول، أستاذ في جامعة ستانفورد، شغل منصب السفير الأمريكي لدى روسيا بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤، يرى في هذه التحولات تغيرا استثنائيا، خاصة أن ترامب كان يتبنى خطا ثابتا تجاه روسيا خلال ولايته الأولى.

وأشار إلى أن ما كان يقوله عن بوتين مؤخرا “يُعد تغييرا كبيرا”، مضيفا “أنا مندهش منه”.

ويعتقد ماكفول أن ترامب أدرك أمرين مهمين: أولهما أن “استراتيجيته الأولى لمحاولة إنهاء الحرب والمبنية على استرضاء بوتين وتقديم تنازلات كبرى، قد فشلت”.

فقد سعى ترامب إلى إقصاء أوكرانيا عن الناتو، والاعتراف الضمني بالأراضي التي ضمتها روسيا، ورفع العقوبات، لكن بوتين لم يتجاوب واستمر في التصعيد. بحسب الباحث نفسه الذي رأى أنها “كانت ستكون صفقة سيئة للغاية لأوكرانيا وجيدة للغاية لبوتين”.

أما الأمر الثاني، فيقول السفير الأمريكي السابق، إن “ترامب بدا بمظهر الضعيف، وهو ما لا يحتمله، فاختار تغيير خطابه على الأقل”.

التحدي في الميدان

وفي سياق تقييم ما جرى، يشير ماكفول إلى أنه في الأشهر التي سبقت تغير خطاب ترامب، ساد بين بعض الأوكرانيين تفاؤل بأن علاقته ببوتين قد تفضي إلى تسوية، حتى لو كانت غير منصفة.

إلا أن لقاء ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض، في فبراير/شباط الماضي، شكّل- وفق المتحدث- نقطة انهيار في هذا التفاؤل، إذ قطعت المساعدات الاستخباراتية والعسكرية.

لكن لاحقا، في لقاء آخر في روما، بدأ المسؤولون الأوكرانيون يشعرون بأن ترامب بدأ يفهم واقعهم بشكل أوضح، ما مثّل تحولا في العلاقة بين الجانبين.

غير أن التحدي الحقيقي، وفق ماكفول، يكمن في القدرة على تغيير المعادلة الميدانية أو خلق ظروف مواتية لتسوية مقبولة.

فهو لا يرى الكثير من الخيارات الجيدة أمام واشنطن. فحتى فرض عقوبات على شركاء روسيا التجاريين، مثل الهند والصين، سيكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي، وخصوصا على أسعار النفط والتضخم في الولايات المتحدة، وهو أمر لا يرغب فيه ترامب.

إضافة إلى ذلك، يشكك الباحث الأمريكي في جدوى هذه الضغوط على بوتين، لأن الصراع بالنسبة له ليس مجرد مسألة سياسية أو اقتصادية، بل هو “حملة أيديولوجية لإعادة تشكيل الفضاء السلافي” وتصحيح ما يعتبره “أخطاء تاريخية، منذ الثورة البلشفية وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي”.

ويحذر ماكفول من مغبة إطلاق التهديدات دون تنفيذها، مؤكدا أن مصداقية الولايات المتحدة في خطر إن لم تُترجم التصريحات إلى أفعال.

ويستشهد بما كان يردده وزير الخارجية الأسبق جورج شولتز عن أهمية أن تكون التهديدات الدبلوماسية قابلة للتنفيذ، وإلا فإنها تفقد قيمتها بالكامل.

استراتيجية بوتين المسقبلية

أما عن استراتيجية بوتين في المستقبل، فيشير ماكفول إلى “تصعيد كبير” في هجماته الصاروخية والطائرات المسيرة على كييف بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، واستخدام تقنيات جديدة مثل طائرات الدرون FPV المتصلة بسلك يمنع إسقاطها من الجو ،ما أعطى الروس تفوقا محدودا ميدانيا.

وبالنسبة لبوتين، يضيف الباحث “فإن مواصلة القتال تعني أن الوقت يعمل لصالحه، فهو يراهن على تراجع الدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا”.

ورغم القتامة، يبدي الرجل احتراما لـ”روح الصمود لدى الأوكرانيين”، ويرى أنهم “لا يظهرون أي استعداد للاستسلام”. ويعتقد أنه “في حال تحقق نوع من التوازن أو الجمود الميداني، فقد يؤدي ذلك إلى وقف إطلاق نار وليس إلى اتفاق سلام شامل، وستبقى الأراضي التي ضمتها روسيا مصدر نزاع طويل الأمد”.

على المدى الطويل، يتوقع الباحث أن تصبح أوكرانيا دولة ديمقراطية مزدهرة، جزءا من الاتحاد الأوروبي، وربما أحد أعمدة الدفاع الأوروبي، بدلا من كونها مجرد متلقٍ للمساعدات الأمنية.

“الدبلوماسية وحدها لا تكفي”

وفي ختام تحليله، يؤكد الرجل أن الحلول الدبلوماسية لن تضع نهاية لهذه الحرب، بل ما سيوقفها هو صمود أوكرانيا عسكريا”.

ويرى أن دور الولايات المتحدة يجب أن يتركز على خطوات حاسمة، منها مصادرة الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا، وزيادة المساعدات العسكرية، وفرض عقوبات جادة وقابلة للتنفيذ، بما يعزز الردع، ويثبت مصداقية واشنطن أمام العالم.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى