تقنية

الخرسانة الرومانية.. حل عمره 2000 عام يفك شفرة البناء المستدام


تتميز الخرسانة الرومانية القديمة بقدرة استثنائية على الصمود في مواجهة التغيرات البيئية حولها، ويتجلى هذا في صمود مباني الحضارة الرومانية حتى يومنا هذا، وذهب العديد من المعماريين والمتخصصين لمحاكاة مكونات تلك الخرسانات الملهمة.

وفي ظل تسارع التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة المستمرة، تزداد الحاجة لتأمين البنية التحتية للمدن والمباني ضد الظروف الطقسية المتطرفة؛ خاصة وأنّ الخرسانات الحديثة قد لا تصمد لأكثر من 100 عام في المتوسط، مقارنة بالخرسانة الرومانية التي تصمد لأكثر من 2000 عام.

وفي هذا الصدد، راحت مجموعة بحثية في جامعة جنوب كاليفورنيا يصممون مواد بنائية؛ معتمدين على نموذج ذكاء اصطناعي طوروه؛ لمحاكاة الخرسانة الرومانية القديمة في متانتها. وبالفعل، استطاعوا من خلالهم نموذج الذكاء الاصطناعي (Allegro-FM) الذي ابتكروه محاكاة مليارات الذرات دفعة واحدة، وهذا يمكنهم من تصميم مواد بناء مثل الخرسانة الخالية من الكربون، وبالتالي تقل الانبعاثات الناتجة عن البناء، ما يعزز الاستدامة ويُطيل عمر المباني في نفس الوقت.

ونشر الباحثون دراستهم في “ذا جورنال أوف فيزيكال كيمستري ليترز” (The Journal of Physical Chemistry Letters) في 20 يونيو/حزيران 2025.

حاجة

تُعد مواد البناء؛ خاصة الخرسانات، من العوامل الرئيسية لتغير المناخ؛ إذ يساهم إنتاج الخرسانة في انبعاثات تُقدر بنحو 8% من إجمالي الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون.

وبذلك، يصبح قطاع صناعة الخرسانات والمباني بشكل عام من القطاعات التي تحتاج إلى خطط للتخفيف من انبعاثاتها؛ للحد من متوسط درجات الحرارة العالمية بحيث لا تزيد عن 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.

وفي ظل مكافحة العالم للتغيرات المناخية؛ إلا أنها تتسارع وتتجلى آثارها في الحرارة المرتفعة والأعاصير والفيضانات وانتشار حرائق الغابات وتبخر الأنهار الجليدية. من ناحية أخرى، تتسبب الانبعاثات المستمرة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في ظاهرة الاحتباس الحراري. ومن هذا المنطلق، تزداد الحاجة إلى خرسانات تعزز صمود المباني والمنازل أمام ويلات تلك الكوارث، وهذا بالضبط ما عمل عليه مؤلفو الدراسة.

محاكاة

تتكون الخرسانة من مواد وعناصر معقدة، وتتسم بالمتانة التي تجعلها مناسبة تمامًا للعمليات الإنشائية والمباني التي قد تواجه الكوارث الطبيعية، وتقوم الفكرة الأساسية للباحثين على استعادة ثاني أكسيد الكربون المنبعث في أثناء عملية تصنيع الخرسانة، ثم إعادته إلى الخرسانة مرة أخرى.

وهنا تظهر أهمية نموذج الذكاء الاصناعي (Allegro-FM)، الذي طوره الباحثون؛ إذ يمكنه اختبار كيمياء الخرسانة المختلفة افتراضيًا قبل إجراء أي تجارب عملية مرتفعة التكلفة، وهذا يعني تسريع تطوير الخرسانة الخالية من الكربون بدلًا من أن تكون مصدرًا له.

في النماذج السابقة، كانت أنظمة المحاكاة الجزيئية قادرة على محاكاة أنظمة تضم آلاف أو ملايين الذرات، لكن النموذج الذي طوره الباحثون قادر على محاكاة ما يزيد عن 4 مليارات ذرة بكفاءة وصلت إلى 97.5%، وهو بذلك يمثل قدرات حسابية أكبر بنحو ألف مرة من النماذج والطرق التقليدية.

من جانب آخر، يغطي النموذج 89 عنصرًا كيميائيًا، كما أنه قادر على التنبؤ بالسلوك الجزيئي لتطبيقات تبدأ من كيمياء الأسمنت وصولًا إلى تخزين الكربون.

ومن خلال ذلك، يمكن للباحثين تصميم نماذج للخرسانة أكثر متانة واستدامة بيئية. من ناحية قادرة على مقاومة آثار التغيرات المناخية وتبعاتها. ومن ناحية أخرى؛ فإنّ عملية تصنيعها منخفضة الانبعاثات، ما يخفف من آثار التغيرات المناخية.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى