تقنية

ضربات أمريكا تضع دبلوماسية أوروبا في مأزق.. نووي إيران يعود للظلال


وسط مساعٍ أوروبية للتوصل إلى اتفاق لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، يخشى سياسيو القارة العجوز من أن تكون الضربات الأمريكية أعطت طهران حافزا جديدا لتطوير سلاح نووي سرًا.

ويقول مسؤولون أوروبيون إن تقييماتهم الأولية تشير إلى أن الضربات الأمريكية أعاقت البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، لكنها لم تُلغِه، كما زعم الرئيس دونالد ترامب. لكنّ الأوروبيين يخشون أن ما ربما يكون قد دُمر هو فرصة التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في وقت قريب.

ويصر المسؤولون الأوروبيون على أن المفاوضات مع إيران هي السبيل الوحيد للحصول على رؤية واضحة للأنشطة النووية الإيرانية والحد منها، لكنهم يعتقدون أن الهجمات التي شنتها إسرائيل ثم الولايات المتحدة خلقت حوافز جديدة لإيران لمواصلة السعي للحصول على الأسلحة النووية سراً، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».

في غضون ذلك، صرّح ترامب هذا الأسبوع بأنه «لن يعرض على إيران أي شيء، وأنه لم يتحدث معهم حتى منذ أن دمّرنا منشآتهم النووية بالكامل». وقبل أيام، كان قد أشار إلى إمكانية استئناف المفاوضات هذا الأسبوع.

بناء قنبلة نووية؟

وقال ثلاثة مسؤولين أوروبيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة تقييمهم للمسائل الأمنية الحساسة إن الضربات الأمريكية «أدت إلى تفاقم الحالة المزاجية في طهران ويمكن أن تكون بمثابة شهادة لقادة إيران على أن أفضل رادع سيكون تطوير القدرة على بناء قنبلة نووية».

ورغم هذا التشاؤم، فإن الأوروبيين يدفعون باتجاه استئناف المحادثات مع إيران التي يرون «أنها أصبحت ضعيفة بسبب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، على أمل أن تكون هناك فرصة ضيقة للاستفادة من الضربات ووقف إطلاق النار الهش المعمول به الآن.

لكنّ المسؤولين الأوروبيين يعترفون بأنه سيكون من الصعب إقناع أي من الجانبين باستئناف المفاوضات بشأن اتفاق نووي واسع النطاق – وخاصة اتفاق يشمل الدول الأوروبية وربما قوى عالمية أخرى.

وبحسب «واشنطن بوست»، فإن «ترامب ينحرف بانتظام عن مساره الخاص ويحب التوصل إلى اتفاق، وبالتالي فإن الأوروبيين يعرفون جيدا أن لهجته قد تتغير».

ومع ذلك، إذا استأنف المحادثات مع طهران، فقد يمضي قدمًا دون القادة الأوروبيين الذين همّشهم منذ توليه منصبه. وليس من الواضح مدى نفوذهم على رئيس انضم الشهر الماضي إلى العمل العسكري الإسرائيلي، ثم أعلن على الفور انتهاءه دون استشارة حلفائه التقليديين في أوروبا.

لا ضمانات

وبالنسبة لإيران، قد يُشكل تخفيف العقوبات حافزًا كافيًا للتوصل إلى اتفاق مع مرور الوقت، لكنّ القادة الأوروبيين يُدركون أنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات تُذكر للمسؤولين الإيرانيين بأن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستمتنعان عن شنّ ضربات أحادية الجانب في المستقبل.

وقال المسؤولون الأوروبيون إن حسابات طهران ربما تتغير، بعد أن شنت إسرائيل حملة قصف أدت إلى تعطيل المفاوضات التي بدأها ترامب، وبعد أن نأى الرئيس الأمريكي بنفسه في البداية عن الهجمات الإسرائيلية، ثم أمر القاذفات الأمريكية بضرب ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وقال ميشيل دوكلو، الدبلوماسي الفرنسي السابق الذي يعمل الآن في معهد مونتين، وهو معهد سياسي مقره باريس: «من المرجح أن يصبح النظام أكثر تصميما على الذهاب إلى القنبلة والقيام بذلك بشكل سري قدر الإمكان».

توازن القوى

دوكلو أضاف أن «استعداد طهران للدخول في محادثات سيعتمد إلى حد ما على توازن القوى الجديد في طهران، والجاذبية الاقتصادية للاتفاق مع الولايات المتحدة».

وأشار إلى أن ترامب «سيدرك على الأرجح أنه، في نهاية المطاف، لم يقض على البرنامج النووي الإيراني. لذا، هناك احتمال ضئيل أن يلجأ إلى نوع من المفاوضات».

وأعرب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن شكوكه بشأن استئناف الدبلوماسية سريعا هذا الأسبوع، قائلا إن طهران ستحتاج إلى «مزيد من الوقت» وتقدم ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تشن هجومًا جديدًا خلال المحادثات.

وأضاف في مقابلة مع شبكة سي بي إس نيوز: «لا أعتقد أن المفاوضات ستُستأنف بهذه السرعة»، لكنه أضاف أن «أبواب الدبلوماسية لن تُغلق أبدًا».

إيران، التي أصرت دائمًا على أن برنامجها النووي مُخصص للأغراض المدنية فقط، تعهدت سابقًا بعدم امتلاك أسلحة نووية بموجب اتفاق عام 2015 الذي توسطت فيه إدارة أوباما ودول أوروبية، بالإضافة إلى روسيا والصين. تخلى ترامب عن هذا الاتفاق خلال ولايته الأولى، تاركًا الأوروبيين يُكافحون للحفاظ عليه.

وقال أحد المسؤولين الأوروبيين إن معالم أي مفاوضات جديدة سوف تعتمد بشكل كبير على حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية وما تبقى منها من قدرات، ولكن التوصل إلى قرارات قاطعة سوف يستغرق وقتا على الأرجح.

المسؤولون أكدوا أن التقييمات الأوروبية الأولية تشير إلى أن الضربات الأمريكية على منشأتي تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز والمجمع النووي في أصفهان تسببت في أضرار جسيمة، لكنها لم تقض على البرنامج النووي الإيراني.

ويقول المحللون إن القصف الذي استخدمت فيه قوة نيران أمريكية هائلة ربما ألحق أضرارًا بالغة بالمنشآت، إلا أن مدى الدمار والوقت الذي قد تستغرقه إيران لإعادة بنائها موضع جدل حاد. وهناك شكوك، بما في ذلك في بعض التقييمات الأوروبية الأولية، بأن إيران ربما نقلت مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب قبل الضربة.

إشارات متضاربة

وأصدر مسؤولون أوروبيون تحذيرات لنظرائهم الإيرانيين بعدم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أو طرد المفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

إلا أن إيران وافقت على إجراءات لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم يتمكن المفتشون من زيارة المواقع النووية منذ أن بدأت إسرائيل هجماتها الشهر الماضي.

وقال دبلوماسي أوروبي إن التحركات الإيرانية بشأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تكون محاولة لكسب نفوذ في المحادثات المستقبلية، وإن المسؤولين الأمريكيين أعطوا إشارات متضاربة بشأن الكيفية التي يعتزمون بها متابعة العلاقات مع إيران.

وبينما يؤكد المسؤولون الأوروبين، أنهم سيبقون القنوات مفتوحة مع إيران بغض النظر عن موقف واشنطن، كشف الهجوم الأمريكي، الذي استهدف إيران بعد يوم من لقاء مسؤولين أوروبيين بعراقجي في جنيف، أن الجهود الدبلوماسية الأوروبية وحدها قد تكون عقيمة.

ومن شبه المؤكد أنها لن تكفي لتحقيق ما يسعى إليه الأوروبيون: اتفاق لكبح البرنامج النووي الإيراني، على غرار اتفاق عام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي ينتهي مفعوله خريف هذا العام.

ويعتقد المسؤولون الأوروبيون المشاركون في صياغة هذا الاتفاق – لاحتواء البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات – أن إلغاء ترامب للاتفاق أعطى طهران زخمًا أكبر لزيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب. والآن، يقول المسؤولون إنه لن يكون هناك حتى إطار عمل للإشراف على المنشآت النووية الإيرانية في غياب اتفاق جديد.

ومع ذلك، يبدو أن مواقف الجانبين متباعدة. تناولت المحادثات السابقة السماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم ضمن الحدود المسموح بها لأغراض الطاقة المدنية. أما إدارة ترامب، فتصرّ الآن على «عدم التخصيب»، وهو موقف يؤيده بعض المسؤولين الأوروبيين.

ويسعى المسؤولون الفرنسيون أيضًا إلى إدراج برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني في أي محادثات. رفضت طهران مطالبَ وقف التخصيب تمامًا، وأصرّت على حقها القانوني في تخصيب الوقود النووي للاستخدام المدني، وقالت إن قدراتها الدفاعية غير قابلة للتفاوض.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى