أول مسلة معلقة.. لماذا اختارت مصر هذا التصميم الفريد بالمتحف الكبير؟

في لحظة استثنائية تمزج بين عبقرية الحضارة القديمة وإنجازات الهندسة المعاصرة، تستقبل زوار المتحف المصري الكبير أول مسلة معلقة في العالم.
يأتي هذا الإنجاز الفريد ليمنح الزوار تجربة غير مسبوقة في مشاهدة أثر فرعوني نادر من زاوية لم تُر من قبل منذ أكثر من 3500 عام.
المسلة، التي تم تثبيتها أمام المتحف بالقرب من أهرامات الجيزة، تعود إلى عهد الملك رمسيس الثاني، وتم نقلها من منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية، وتزن نحو 110 أطنان بطول 16 مترا، وقد جرى تثبيتها على أربعة أعمدة ضخمة، على ارتفاع ثلاثة أمتار، في ساحة خارجية تمتد على مساحة 28 ألف متر مربع، لتصبح أول ما يراه الزائر عند اقترابه من المتحف.
خرطوش مخفي يرى النور لأول مرة
لأول مرة في التاريخ، بات بمقدور الزائر أن يرى الخرطوش الملكي المنقوش أسفل قاعدة المسلة، والذي كان مدفونا لآلاف السنين، وذلك من خلال أرضية زجاجية شفافة صُممت خصيصا لهذا الغرض. ويُعد هذا الكشف البصري النادر أحد أبرز مفاجآت تصميم المسلة، إذ كان الجزء السفلي من المسلات في العالم يُهمل دائما في العروض المتحفية والميدانية.
جاءت فكرة المسلة المعلقة في نهاية عام 2018، وتم تنفيذ التصميم الهندسي بالتعاون بين جامعة القاهرة ومكتب استشاري عالمي، مع مراعاة أقصى معايير الأمان لمواجهة الوزن الهائل والاهتزازات المحتملة.
وقد راعى التصميم أن تحمل الأعمدة الحاملة للمسلة اسم “مصر” بكل لغات العالم، في رسالة ترحيب دولية، تجمع بين هوية الوطن ووجهه الحضاري الحديث.
من الترميم إلى العرض المهيب
وأكد الدكتور عيسى زيدان، مدير عام الشؤون التنفيذية للترميم ونقل الآثار بالمتحف، أن المسلة خضعت لأعمال ترميم دقيقة شملت التنظيف الكيميائي والميكانيكي، ومعالجة الشروخ وتقوية الأجزاء الضعيفة، حتى أصبحت جاهزة لتأخذ مكانها المشرف أمام بوابة المتحف، كرمز لقوة وتفرد الحضارة المصرية.
وهذه هي المرة الأولى التي تُعرض فيها قاعدة أثرية أصلية لمسلة بهذا الشكل، داخل فاترينة زجاجية في الأرض، مستوحاة من تقليد مصري قديم، حيث كانت القاعدة تُدفن في باطن الأرض لأسباب دينية أو رمزية.
وهذه الخطوة تُعيد تعريف كيفية تقديم الآثار المصرية، وتضع المتحف الكبير في صدارة الابتكار المتحفي عالميا، من خلال الجمع بين السرد البصري والتقنيات المعمارية الحديثة التي تُمكّن الزائر من التفاعل مع الأثر بطريقة غير تقليدية.
بهذا المشروع، لا تكتفي مصر بإحياء أثر فرعوني عظيم، بل تُقدمه للعالم في ثوب جديد، يُجسد عبقرية المصري القديم، وإبداع المصري المعاصر، ويُرسل برسالة واضحة أن “الحضارة لا تُعرض فقط، بل تُروى وتُستعاد بحس هندسي وثقافي متجدد”.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز