أوروبا تتأهب لمواجهة التضخم في ظل مستقبل ضبابي

في عالم يتغير بسرعة تحت وطأة النزاعات الجيوسياسية، وتهديدات المناخ، والثورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، تجد البنوك المركزية نفسها أمام معضلة جديدة.
هذه المعضلة تتمثل في: كيف تُدار السياسة النقدية حين تصبح أسعار السلع والخدمات أكثر تقلبًا وأقل قابلية للتنبؤ؟ هذا ما حاولت البنك المركزي الأوروبي (BCE) الإجابة عنه بإعلانه عن مراجعة جديدة لاستراتيجيته النقدية، استعدادًا لعصر من الاضطراب المالي والتضخم المتقلب.
تضخم أكثر تقلبا
وحذر البنك المركزي الأوروبي من أن مرحلة جديدة من التقلبات التضخمية تلوح في الأفق، بفعل تلاقي أزمات عالمية كبرى مثل النزاعات التجارية والجيوسياسية، وتغير المناخ، وتطورات الذكاء الاصطناعي. هذه العوامل مجتمعة قد تدفع بأسعار السلع والخدمات إلى مسارات متذبذبة، مما يستدعي مرونة أكبر في أدوات السياسة النقدية، بحسب بيان صادر عن المؤسسة المالية الأوروبية يوم الإثنين.
وأوضح البيان أن هذه التغيرات الهيكلية تجعل من الوصول إلى هدف التضخم البالغ 2%، الذي تتبناه منطقة اليورو، أكثر صعوبة، وتستوجب استخدام أدوات السياسة النقدية “بشكل مرن استجابةً للصدمات المستقبلية”.
منهج جديد بنفس الأدوات
وتأتي هذه التعديلات في إطار مراجعة استراتيجية جديدة بدأتها المؤسسة في صيف 2024، وهي المراجعة التي سعت لتقييم فعالية استراتيجيتها الحالية، خاصة في ضوء الأزمة التضخمية غير المسبوقة التي ضربت أوروبا في 2021 و2022 بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل الإمداد، بحسب مجلة “ليزيكو” الاقتصادية الفرنسية.
رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، اعتبرت أن الاستراتيجية المعتمدة منذ 2021 كانت فعالة حتى “في وجه أعنف الصدمات الاقتصادية في التاريخ الحديث”، لكنها أضافت خلال كلمتها الافتتاحية في الندوة السنوية للبنك في “سينترا” بالبرتغال: “المستقبل سيكون أكثر غموضًا، وهذه الضبابية ستجعل التضخم أكثر تقلبًا”.
الذكاء الاصطناعي والمناخ
أشارت لاغارد إلى أن التحولات الكبرى مثل الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي والتفكك المتزايد في الاقتصاد العالمي تضيف مستويات جديدة من عدم اليقين في مراقبة وتحقيق استقرار الأسعار.
وأوضحت أن البنك سيتعامل مع هذه المرحلة من خلال الإبقاء على كامل أدواته، والتي تشمل: معدلات الفائدة، وتدخلات في سوق السندات، وقروض ضخمة مشروطة للبنوك، عمليات موجهة لدول معينة إذا لزم الأمر، لكن الاستخدام سيكون “أكثر مرونة” لضمان استجابة فعالة للتقلبات الجديدة.
الاستفادة من أخطاء الماضي
أحد الدروس الأساسية التي استخلصتها المؤسسة من الأزمة السابقة هو ضرورة التفاعل السريع مع المتغيرات الاقتصادية. فخلال أزمة 2021–2022، اتُّهم البنك بالتأخر في رفع الفائدة رغم مؤشرات التضخم المتزايدة.
وقال كبير الاقتصاديين في البنك، فيليب لاين: “من المهم أن نتعلم من الحلقات الماضية. اليوم، لا ننظر فقط إلى السيناريوهات المرجحة، بل أيضًا إلى المخاطر التي تحيط بها”.
وتعمل المؤسسة حاليًا على سيناريوهات متعددة، من بينها تأثير أي رسوم جمركية محتملة تفرضها الولايات المتحدة على الاقتصاد الأوروبي، في محاولة لتطوير استراتيجيات استباقية.
البيئة والطبيعة
في تحول ملحوظ، التزمت البنك المركزي الأوروبي أيضًا بمراعاة تأثيرات التغير المناخي وتدهور النظم البيئية في صياغة سياساتها، وإن ظل ذلك، وفق المنظمات البيئية، دون خطوات عملية ملموسة حتى الآن.
فبحسب كلاريس مورفي، المسؤولة في منظمة “Reclaim Finance”: “لا تزال الإجراءات العملية لتقليل الكربون في أنشطة البنك أو أو جعل الضمانات المقدمة من البنوك معلقة منذ أربع سنوات أكثر ملائمة للبيئة”.
ردود فعل باهتة
رغم إعلان التوجه الجديد، فإن ردود الفعل جاءت حذرة. فقد وصف إيريك دور، مدير الدراسات الاقتصادية في مدرسة IESEG للإدارة، البيان بأنه “شديد التحفظ”.
أما كارستن بريزسكي، كبير الاقتصاديين في بنك ING، فعلق بسخرية: “كالعادة، تقييم البنك لاستراتيجيته مفعم بالرضا الذاتي!” ومن المقرر أن تُجرى المراجعة الاستراتيجية المقبلة للسياسة النقدية الأوروبية في عام 2030.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز