تقنية

القطب الشمالي بين موسكو وبكين.. لماذا لا تنقذ غرينلاند واشنطن؟


من بين أبرز الهواجس التي شغلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال أول 100 يوم من ولايته الثانية، كان إصراره المتكرر على «ضم غرينلاند».

وبرر ترامب ومساعدوه هذه الرغبة غير المألوفة بالحاجة إلى «موازنة» التعاون المتنامي بين خصمي الولايات المتحدة الرئيسيين — روسيا والصين — في منطقة القطب الشمالي.

لكن تحليلا نشرته مجلة فورين بوليسي، حذّر خلاله الباحثان إسحاق كاردون وألكسندر جابويف من أن رهان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على «شراء» غرينلاند لن يحلّ التحدي الجيوسياسي المتصاعد في القطب الشمالي.

واعتبر الكاتبان أن مواجهة النفوذ المتنامي لروسيا والصين في هذه المنطقة لا يمكن أن يتحقق من خلال ضمّ الأراضي أو الاستعراض العقاري، بل يتطلب تعزيز التحالفات التقليدية للولايات المتحدة وتحديث بنيتها الدفاعية في ألاسكا ومضيق بيرينغ.

فبينما تُحكم موسكو وبكين تنسيقهما في الشمال المتجمد، تجد واشنطن نفسها في موقع المتفرج، ما لم تنتقل من خطاب «الاستحواذ» إلى سياسة تحالفية فعالة.

وكشف ذوبان الجليد القطبي عن موارد طبيعية غنية، وممرات مائية جديدة، ومدارات استراتيجية لإطلاق الأقمار الصناعية، وهو ما عزز التعاون بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ.

ويأتي هذا التعاون في إطار الشراكة «بلا حدود» بين البلدين، فيما تُستغل الانقسامات داخل حلف الناتو لإضعاف نفوذ الحلف في المنطقة التي شكّلت تاريخيًا جبهة صلبة خلال الحرب الباردة.

ويكمن التحدي في تحصين هذه العلاقات مجددًا، لا سيما في مواجهة طموحات روسيا للسيطرة على الممرات المائية الحيوية، وسعي الصين إلى ترسيخ وجودها في الساحة القطبية.

تحالف حتمي

لكن هذا التحالف بين روسيا والصين في القطب الشمالي ليس أمرًا حتميًا أو مستقرًا. فقبل غزو أوكرانيا، كانت موسكو حذرة من السماح للصين بتوسيع نفوذها في منطقة تعتبرها «ساحتها الخلفية»، رغم أن بكين تصف نفسها بأنها «دولة قريبة من القطب الشمالي». بل إن روسيا تعاونت آنذاك مع مجلس القطب الشمالي — إلى أن طُردت منه بعد الحرب — للحد من انخراط الصين.

أما اليوم، فإن عزلة روسيا الدولية دفعتها للاعتماد بشكل متزايد على القوة الصناعية والتكنولوجية الصينية.

فشركات الطاقة الصينية أنقذت مشاريع نفطية وغازية روسية في القطب الشمالي بعد انسحاب الشركات الغربية، وأصبحت الصين الآن أكبر مستورد للنفط الروسي، الذي يُنقل شرقًا في ناقلات صينية مقاومة للجليد عبر المياه الروسية، بدلاً من عبوره غربًا نحو أوروبا.

وبالمقابل، عززت الصين وجودها على الساحل الروسي للقطب، طامحةً إلى استغلال الموارد وتوسيع قدراتها العلمية والعسكرية.

ورغم بقاء بعض الحذر الروسي تجاه طموحات بكين، فإن موسكو تبدو أقل قدرة على مقاومة النفوذ الصيني المتزايد. صحيح أن الحضور الاستراتيجي للصين في القطب الشمالي ما زال محدودًا نسبيًا، لكنه في توسّع مستمر.

وخلال الأشهر الأخيرة، كثّفت موسكو وبكين أنشطتهما المشتركة — من طلعات القاذفات الاستراتيجية قرب ألاسكا، إلى التمارين البحرية وأبحاث علمية ذات استخدامات عسكرية.

قواعد مهترئة تواجه أسطولا جليديا

في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة متأخرة بشكل مقلق في إدراك ما يجري في المنطقة القطبية والاستعداد له.

فالوجود العسكري الأمريكي تآكل منذ نهاية الحرب الباردة، وجرى إغلاق العديد من القواعد العسكرية، فيما تعاني البنية التحتية من التهالك.

أما خفر السواحل الأمريكي، فلا يكاد يملك سوى كاسحة جليد ثقيلة واحدة، في حين تمتلك الصين ثلاث، وروسيا نحو 40 — بينها الوحيدة عالميًا التي تعمل بالطاقة النووية في هذه الفئة.

صحيح أن هناك جهودًا أمريكية بدأت مؤخرًا لإعادة تشغيل رادارات قديمة وتحسين الدفاعات الجوية، كما تم تحديث قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية «نوراد» بالتعاون مع كندا منذ عام 2021.

وتبدو إدارة ترامب ملتزمة بهذا المسار، لكن تركيز الرئيس على غرينلاند يصرف الأنظار عن الجبهات الحقيقية ويقوّض هذه الاستراتيجية.

الواقع أن المضيق الوحيد الذي يمكن للصين من خلاله دخول القطب الشمالي يمر بين ألاسكا والشرق الأقصى الروسي، وليس عبر غرينلاند البعيدة.

وحتى الآن، ترفض موسكو تمكين الصين عسكريًا من العمل في الجانب الأوروبي من القطب، إذ تمنعها من استخدام البنية التحتية أو التحرك بحرية بسفنها وغواصاتها.

لكن إذا استجابت روسيا مستقبلًا لضغوط بكين، فستجد الولايات المتحدة نفسها بحاجة إلى حلفائها — لا سيما في كندا والدنمارك والنرويج — للدفاع عن خطوطها الأمامية.

واعتبر المجلة أن محاولات ترامب «لشراء» غرينلاند ليست سوى تشويش يهدد بإضعاف الردع الأمريكي في واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية حساسية في القرن الحادي والعشرين.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى