النزاعات تطوق العالم.. مستوى قياسي للعنف

تصاعد غير مسبوق في مستويات العنف يشهده العالم في الوقت الراهن وبلغت معه النزاعات المسلحة إلى أعلى معدلاتها منذ عقود.
وكشف تحليل أجرته صحيفة «تليغراف» البريطانية بالاعتماد على بيانات مشروع “مواقع وأحداث الصراعات المسلحة” ومصادر دولية أخرى، عن وجود نزاعات مسلحة نشطة في ما لا يقل عن 50 دولة خلال العام الماضي.
وشملت هذه النزاعات مناطق متنوعة من الحرب الأهلية في ميانمار إلى المواجهات الدامية بين كارتلات المخدرات في المكسيك.
وتشير البيانات إلى أن هذه الدول الخمسين شهدت ما لا يقل عن 56 نزاعًا نشطًا، وهو الأعلى منذ منتصف القرن الماضي، في ظل تراجع ملحوظ في عدد النزاعات التي يتم حلها سواء عسكريًا أو عبر اتفاقيات سلام.
ووفقا للتقديرات، يتعرض كل شخص من بين ستة أشخاص حول العالم، بشكل مباشر أو غير مباشر، لنوع من النزاع، ما يعكس اتساع رقعة العنف وتزايد حدته.
عدد الضحايا
تجاوز عدد القتلى نتيجة النزاعات المسلحة في الفترة بين 2010 و2019 نحو 953 ألف شخص، أما في نصف هذه المدة فقط، بين 2020 ونهاية 2024، تخطى عدد الضحايا حاجز المليون قتيل.
ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى اندلاع ثلاث نزاعات كبرى: الانقلاب العسكري في ميانمار عام 2021، والحرب في أوكرانيا عام 2022، وحرب غزة التي بدأت في 2023.
وقد تسببت هذه النزاعات الثلاثة بأكثر من نصف الوفيات المسجلة في عام 2024.
التوزيع الجغرافي:
على صعيد التوزيع الجغرافي، سجلت أوروبا النسبة الأعلى من الوفيات (33 في المائة) بسبب حرب أوكرانيا، تليها أفريقيا بنسبة 27 في المائة، ثم الشرق الأوسط بنسبة 19في المائة بسبب غزة والسودان.
وللمرة الأولى، شهدت جميع القارات وفيات مرتبطة بالنزاعات دون هيمنة منطقة واحدة على الحصيلة.
وفي الوقت ذاته، أصبحت النزاعات أكثر تعقيدًا وتشتتًا، كما في حالة ميانمار، حيث ظهرت نحو 3000 جماعة مسلحة منذ عام 2021، بينما تحتل غزة صدارة مناطق العنف عالميًا عام 2024 بعد تعرض 80 في المائة من سكانها للعنف ومقتل 50 ألفًا.
عوامل أخرى
رغم اعتماد عدد القتلى كمؤشر مهم على قوة النزاع، إلا أنه لا يعكس الصورة الكاملة. فهناك عوامل أخرى مثل التشتت، والتأثير على المدنيين، والتفكك، تساهم في تقييم شدة الأزمة.
فعلى سبيل المثال، رغم تسجيل أوكرانيا أعلى عدد من الوفيات المرتبطة بالنزاع في عام 2024، إلا أنها لم تتصدر مؤشر شدة النزاعات بسبب قلة التشتت وتعدد الأطراف مقارنة بدول أخرى مثل ميانمار، التي تشهد مئات الجماعات المسلحة المنخرطة في عشرات المعارك المختلفة، ما يزيد من تعقيد النزاع وصعوبة حله.
وفي غزة، وُصفت الأوضاع بأنها الأخطر والأكثر عنفًا في العالم لعام 2024، حيث تعرض أكثر من 80 في المائة من السكان للعنف وسُجلت عشرات الآلاف من الوفيات مع استمرار العمليات العسكرية.
كما تصدرت اليمن قائمة الدول الأقل سلمًا في العالم لعام 2024 نتيجة تفاقم الصراع الداخلي والهجمات المتبادلة مع أطراف خارجية.
تأثيرات غير مباشرة
أشار التقرير إلى أن آثار النزاعات لا تقتصر على الخسائر البشرية المباشرة، بل تمتد إلى انهيار الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وانتشار انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لتحذيرات معهد أبحاث السلام في أوسلو.
وقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون في مناطق نزاع منذ عام 1990، فيما يرجع الخبراء هذا التصاعد إلى انخفاض التعاون الدولي، وصعود سياسات التوسع العسكري، وضعف فاعلية الآليات الدبلوماسية مقارنةً ببداية الألفية.
وفي السياق ذاته، يتوقع الخبراء استمرار ارتفاع وتيرة العنف في عام 2025، مع احتمال زيادة بنسبة 20 في المائة، خاصة في ظل تحول طبيعة النزاعات من صراعات بين دول إلى حروب داخلية متشعبة تشارك فيها عشرات الجماعات.
وأكبر مثال على ذلك ما يحصل في ميانمار واليمن، والتي صنفها مؤشر السلام العالمي كـ”أقل الدول سلمًا” عام 2024 بسبب تصاعد هجمات الحوثيين وردود التحالف الغربي.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز