«صديق مفترس».. ترامب يعامل أوروبا كخصم لا كحليف

في زمنٍ تُختبر فيه متانة التحالفات ومرونة القيم الغربية، يظهر دونالد ترامب كمفجر لإرثٍ بنته واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية تجاه أوروبا، التي لم تعد تقف أمام صديق مشاغب في البيت الأبيض، بل أمام شريك يتحول شيئًا فشيئًا إلى «خصمٍ مفترس».
فالقارة العجوز التي كانت يومًا تحت مظلة الحماية الأمريكية، باتت تتلقى الضربات من الحليف ذاته، في مشهد يقلق العواصم من برلين إلى باريس، ويثير سؤالًا وجوديًا: هل بات على أوروبا أن تتعلم الدفاع عن نفسها.. من أمريكا؟
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعدادًا لتفكيك التحالف عبر الأطلسي، في تحول جذري عن سياسات سلفه.
هذا التحول تجلى في فرض تعريفة جمركية بنسبة 20% على الشركاء الأوروبيين، بما في ذلك أوكرانيا، في الوقت الذي استثني فيه دولًا مثل روسيا وكوريا الشمالية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
ويأتي ذلك ضمن رؤية ترامب التي تعتبر الحلفاء الأوروبيين منافسين اقتصاديين و”طفيليات جيوسياسية”، وفق تعبيره، ما يُهدد إرثًا دام 80 عامًا من التعاون حافظ على السلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
عداء تاريخي:
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن ترامب لا يخفى عداءه الطويل لأوروبا، والذي تجلّى مؤخرًا في مطالبة حلفاء الناتو برفع إنفاقهم العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بل ومحاولته الاستيلاء على أراضٍ من الدنمارك، العضو في الحلف.
ويرى الخبير الاقتصادي الألماني غونترام وولف، أن هذه الخطوات تعزز تصورًا أوروبيًا بأن الولايات المتحدة بقيادة ترامب لم تعد شريكًا موثوقًا، بل تهديدًا للنظام العالمي المتعدد الأطراف الذي قام عليه التحالف.
ردود الفعل:
وصفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، قرارات ترامب بأنها “فوضى تُضر بالمواطنين الأكثر ضعفًا”.
كما حذر مارك ليونارد من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية من أن “العدوانية والإمبريالية” في سياسات ترامب فاجأت الكثيرين، خاصة مع استخدامه التعريفات كأداة لابتزاز الحلفاء، كما حدث في مطالبة أوكرانيا بتقديم معادن ثمينة مقابل الدعم العسكري.
وتتوقع ألمانيا، القوة الاقتصادية الأوروبية الأولى، انخفاض صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 15%، بتكلفة قد تصل إلى 200 مليار يورو خلال أربع سنوات. ورغم محاولات بروكسل للرد “بحذر” على التعريفات، يبدو أن الأوروبيين بدأوا في البحث عن أسواق بديلة واتفاقيات تجارية جديدة مع كندا والمكسيك، وفقًا لخبيرة الاقتصاد ماغي سويتك.
في المقابل، ترى روسيا التي تضررت من انخفاض أسعار النفط، الضربات الأمريكية للاقتصاد الأوروبي هدية لموسكو، كما علق الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف بسخرية على موقع “إكس”، مشيرًا إلى أن روسيا تنتظر “تحلل جثة الاقتصاد الأوروبي”.
وبحسب نيويورك تايمز، فإن جهود ترامب لتحويل النظام العالمي تعود بالنفع على روسيا، الخصم الرئيسي لحلف شمال الأطلسي، من خلال إضعاف خصوم الكرملين في بقية أوروبا، على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط يوم الجمعة أثر على روسيا أيضا.
ورغم محاولات وزير الخارجية ماركو روبيو طمأنة الحلفاء بتأكيده دعم ترامب للناتو، إلا أن شروط واشنطن الجديدة – مثل تحميل الأوروبيين المسؤولية الكاملة عن أمنهم وأمن أوكرانيا – تضعف التزام الولايات المتحدة بالدفاع المشترك.
ويبقى التحدي الأكبر لأوروبا هو الحفاظ على وحدة الاتحاد في مواجهة سياسات ترامب المفترسة، والتي قد لا تُترك مجالًا لإصلاح العلاقات المهترئة.
رسالتان
وترى صوفيا بيش، المحللة الألمانية في مؤسسة كارنيغي بواشنطن، رسالتين مختلفتين جوهريًا من إدارة ترامب، قائلة: “ليس واضحًا ما إذا كان هذا عرضًا تمهيديًا للتفاوض، أم أنهم حقًا يُعيدون تشكيل العالم دون أي اهتمام بإصلاحه”. وأضافت: “يسعى مختلف الأشخاص المحيطين بترامب إلى تحقيق أهداف مختلفة”.
وتقول السيدة بيش وآخرون إن قضايا التعريفات الجمركية والأمن متميزة ولكنها غير منفصلة، مما يعكس استعداد ترامب لاستخدام القوة الأميركية بشكل فظ وحتى بلا مبالاة ضد الأصدقاء واقتصاداتهم والفقراء، الذين هم الأكثر عرضة للمعاناة من التضخم وارتفاع الضرائب على المستهلكين.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز